فصل: واختلفوا في ظل الشيء هل هو الشيء أم غيره على مقالتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **


  واختلفوا هل يكون علم واحد بمعلومين أم لا‏:‏

فأنكر ذلك منكرون وأجازه مجيزون وقال بعض من أجاز علم واحد بمعلومين‏:‏ يجوز أن يكون علم واحد بما لا كل له وهو كعلمنا أن معلومات الله لا كل لها وهو علم الجملة‏.‏

ذكر اختلاف الناس في النفي والإثبات وفي الأمر هل يكون نهياً على وجه من الوجوه وفي الإرادة هل تكون كراهة على وجه من الوجوه وفي الأخذ هل يكون تركاً‏.‏

اختلف الناس في النفي والإثبات وهل يكون المثبت منفياً على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ قد يثبت الشيء على وجه وينفى على غيره وذلك كالجسم يكون موجوداً ويكون غير متحرك فيثبته الإنسان موجوداً وينفيه أن يكون متحركاً فالنفي والإثبات واقعان عليه‏.‏

واختلف هؤلاء فيما بينهم‏:‏ فمنهم من أجاز أن يكون الشيء معلوماً مجهولاً من وجهين ومنهم من أنكر أن يكون معلوماً مجهولاً من وجهين مع إقراره بأنه يكون مثبتاً منفياً من وجهين‏.‏

وقال قائلون‏:‏ محال أن يكون المثبت منفياً والمنفي مثبتاً على وجه من الوجوه لأن المثبت هو الكائن الثابت الغابر والمنفي هو الذي ليس بكائن ولا موجود فمحال أن يكون الشيء كائناً لا كائناً في وقت واحد وزعموا أن إثبات الجسم متحركاً إثبات حركته وكذلك إثباته ساكناً إثبات سكونه والنفي لأن يكون متحركاً نفي لحركته والنفي لأن يكون ساكناً نفي لسكونه وكذلك إثبات العالم منا عالماً والجاهل منا جاهلاً والفاعل فاعلاً والنفي لأن يكون فاعلاً على هذا الترتيب‏.‏

واختلف هؤلاء فيما بينهم‏:‏ فمنهم من أنكر أن يكون الشيء معلوماً مجهولاً من وجهين كما أنكر أن يكون مثبتاً منفياً من وجهين ومنهم من أجاز أن يكون مجهولاً معلوماً من وجهين مع إنكاره أن يكون مثبتاً منفياً وهو الجبائي ومن قال بقوله‏.‏

واختلفوا في الأمر بأن يكون متحركاً والنهي عن أن يكون متحركاً على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ الأمر للإنسان بأن يكون متحركاً أمر بغيره وهو حركته ومن هؤلاء من زعم أن إثباته متحركاً إثبات عينه مع قوله أن الأمر له بأن يكون متحركاً أمر بحركته‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الأمر له بأن يكون متحركاً أمر بنفسه أن تكون متحركة والنهي له عن أن يكون متحركاً نهي عن نفسه أن تكون متحركة لا عن غيره وكذلك الأمر له بأن يكون فاعلاً قال‏:‏ ولا أقول‏:‏ أمر بنفسه وأسكت لئلا يوهم أنه أمر بنفسه أن يكون موجوداً ولكني أقول‏:‏ أمر بنفسه أن تكون متحركة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا أقول أن الإنسان أمر بأن يكون متحركاً على الحقيقة ولكن أقول‏:‏ أمر في الحقيقة بالحركة وكذلك قوله في السكون وفي سائر ما يقع الأمر به وهذا قول بعض الحوادث‏.‏

واختلف الناس في الأمر بالشيء هل يكون نهياً على وجه من الوجوه على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ الأمر بالشيء نهي عن تركه وكذلك الإرادة لكون الشيء كراهة لكون تركه ولأن لا يكون ومنعوا أن يكون العلم بشيء جهلاً بغيره والقدرة على الشيء عجزاً عن تركه‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الأمر بالشيء غير النهي عن تركه وكذلك الإرادة للشيء غير الكراهة لتركه‏.‏

فأما اختلافهم في أخذ الشيء هل يكون تركاً لضده فقد ذكرناه عند ذكرنا اختلافهم في الترك‏.‏

واختلف المتكلمون في الأعراض هل هي عاجزة جاهلة وموات أم لا على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ هي جاهلة بمعنى أنها ليست بعالمة وهي عاجزة بمعنى أنها ليست بقادرة وهي موات بمعنى أنها ليست بحية حكي ذلك عن العطوي وأبى أكثر أهل الكلام أن يطلقوا ذلك فيها على وجه من الوجوه‏.‏

واختلف المتكلمون في باب التولد كنحو ذهاب الحجر الحادث عند دفعة الدافع له وكنحو انحداره الحادث عند طرحه وكنحو الألم الحادث عند الضرب وخروج الروح الحادث عند الوجبة والألوان الحادثة عند الضربة وما أشبهها من الأسباب والطعوم الحادثة والأراييح وما أشبه ذلك‏.‏

فقال قائلون‏:‏ ما تولد عن فعلنا كنحو الأحر الحادث من البياض والحمرة وطعم الفالوذج عند جمع النشأ والسكر وإنضاجه وكنحو الرائحة الحادثة والألم الحادث عند الضرب واللذة الحادثة عند أكل الشيء وخروج الروح الحادث عند الوجبة وخروج النطفة الحادث عند الحركة وذهاب الحجر عند الدفعة وذهاب السهم عند الإرسال والإدراك الحادث إذا فتحنا أبصارنا كل ذلك فعلنا حادثعن الأسباب الواقعة منا وكذلك انكسار اليد والرجل الحادث عند السقوط فعل من أتى بسببه وكذلك صحة اليد بالجبر وصحة الرجل بالجبر فعل الإنسان وكذلك زمانة الرجل إذا كسرها الإنسان أو أوهاها حتى تزمن وكذلك إدراك جميع الحواس فعل الإنسان وزعم قائل هذا القول أنه إذا ضرب الإنسان غيره فعلم بضربه فالعلم فعل الضارب وأنه قد يفعل في غيره العلم وإذا فتح بصره غيره بيده فأدرك فالإدراك زعم فعل فاتح البصر وكذلك إذا عمى الإنسان غيره فأعمى فعله في غيره وزعم قائل هذا القول أن الإنسان يفعل في غيره بسبب يحدثه في نفسه ويفعل في نفسه أفعالاً متولدة وأفعالاً غير متولدة وزعم قائل هذا القول أن الناس يفعلون لون الناطف وبياضه وحلاوة الفالوذج ورائحته والألم واللذة والصحة والزمانة والشهوة وهذا قول بشر بن المعتمر رئيس البغداذيين من المعتزلة‏.‏

وقال أبو الهذيل ومن ذهب إلى قوله أن كل ما تولد عن فعله مما يعلم كيفيته فهو فعله وذلك كالألم الحادث عن الضرب وذهاب الحجر عند دفعه له وكذلك انحداره عند زجة الزاج به من يده وتصاعده عند رمية الرامي به صعداً وكالصوت الحادث عند اصطكاك الشيئين وخروج الروح إن كانت الروح جسماً أو بطلانها إن كانت عرضاً فذلك كله فعله وزعم أنه قد يفعل في نفسه وفي غيره بسبب يحدثه في نفسه فأما اللذة والألوان والطعوم والأراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والجبن والشجاعة والجوع والشبع والإدراك والعلم الحادث في غيره عند فعله فذلك أجمع عنده فعل الله سبحانه وكان بشر بن المعتمر يجعل ذلك أجمع فعلاً للإنسان إذا كان سببه منه وكان أبو الهذيل يزعم أن ذلك أجمع لا يتولد عن فعله ولا يعلم كيفيته وإنما فعله في نفسه الحركة والسكون والإرادة والعلم وما يعرف كيفيته وما يتولد عن الحركة والسكون في نفسه أو في غيره وما يتولد عن ضربه والاصطكاك الذي يفعله بين الشيئين وكان يزعم أن الإنسان يفعل في غيره الأفعال بالأسباب التي يحدثها في نفسه وأن إنساناً لو رمى إنساناً بسهم ثم مات الرامي قبل وصول السهم إلى المرمي ثم وصل السهم إلى المرمي فآلمه وقتله أنه يحدث الألم والقتل الحادث بعد حال موته بالسبب الذي أحدثه وهو حي وكذلك لو عدم لكان يفعل في غيره وهو معدوم لسبب كان منه وهو حي وليس يجوز عنده ولا عند بشر بن المعتمر أن يفعل الإنسان قوة ولا حياة ولا جسماً‏.‏

وقال إبراهيم النظام‏:‏ لا فعل للإنسان إلا الحركة وأنه لا يفعل الحركة إلا في نفسه وأن الصلاة والصيام والإرادات والكراهات والعلم والجهل والصدق والكذب وكلام الإنسان وسكوته وسائر أفعاله حركات وكذلك سكون الإنسان في المكان إنما معناه أنه كائن فيه وقتين أي تحرك فيه وقتين وكان يزعم أن الألوان والطعوم والأراييح والحرارات والبرودات والأصوات والآلام أجسام لطيفة ولا يجوز أن يفعل الإنسان الأجسام واللذة أيضاً ليست من فعل الإنسان عنده وكان يقول أن ما حدث في غيره حيز الإنسان فهو فعل الله سبحانه بإيجاب خلقه للشيء كذهاب الحجر عند دفعة الدافع وانحداره عند رمية الرامي به وتصاعده عند زجة الزاج به صعداً وكذلك الإدراك من فعل الله سبحانه بإيجاب الخلقة ومعنى ذلك أن الله سبحانه طبع الحجر طبعاً إذا وكان يقول فيما حكي عنه أن الله سبحانه خلق الأجسام ضربة واحدة وأن الجسم في كل وقت يخلق‏.‏

وكان يزعم أن الإنسان هو الروح وأنه يفعل في نفسه واختلف عنه هل يفعل في ظرفه وهيكله فالحكاية الصحيحة عنه أنه يفعل في ظرفه ومن الناس من يحكي عنه أنه يفعل في هيكله وظرفه‏.‏

وقال غيره من المتكلمين أن الإرادات والكراهات والعلم والجهل والصدق والكذب والكلام والسكوت غير الحركات والسكون وهو أبو الهذيل‏.‏

وقال معمر‏:‏ الإنسان لا يفعل في نفسه حركة ولا سكوناً وأنه يفعل في نفسه الإرادة والعلم والكراهة والنظر والتمثيل وأنه لا يفعل في غيره شيئاً وأنه جزء لا يتجزأ ومعنى لا ينقسم وأنه في هذا البدن على التدبير له لا على المماسة والحلول وزعم أن المتولدات وما يحل في الأجسام من حركة وسكون ولون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة فهو فعل للجسم الذي حل فيه بطبعه وأن الموات يفعل الأعراض التي حلت فيه بطبعه وأن الحياة فعل الحي وكذلك القدرة فعل القادر وكذلك الموت فعل الميت وزعم أن الله سبحانه لا يفعل عرضاً ولا يوصف بالقدرة على عرض ولا على حياة ولا على موت ولا على سمع ولا على بصر وأن السمع فعل السميع وكذلك البصر فعل البصير وكذلك الإدراك فعل المدرك وكذلك الحس فعل الحساس وكذلك القرآن فعل الشيء الذي سمع منه إن كان ملكاً أو شجرة أو حجراً وأنه لا كلام لله عز وجل في الحقيقة تعالى ربنا عن قوله علواً كبيراً وزعم أن الله سبحانه إنما يفعل التلوين والإحياء والإماتة وليس ذلك أعراضاً لأن البارئ عز وجل إذا لون الجسم فلا يخلو أن يكون من شأنه أن يتلون أم لا فإن كان من شأنه أن يتلون فيجب أن يكون اللون بطبعه وإذا كان اللون بطبع الجسم فهو فعله ولا يجوز أن يكون بطبعه ما يكون تبعاً لغيره كما لا يجوز أن يكون كسب الشيء خلقاً لغيره وإن م يكن طبع الجسم أن يتلون جاز أن يلونه البارئ فلا يتلون‏.‏

وقال صالح قبة أن الإنسان لا يفعل إلا في نفسه وأن ما حدث عند فعله كذهاب الحجر عند الدفعة واحتراق الحطب عند مجامعة النار والألم عند الضربة فالله سبحانه الخالق له وكذلك المبتدئ له وجائز أن يجامع الحجر الثقيل الجو الرقيق ألف عام فلا يخلق الله فيه هبوطاً ويخلق سكوناً وجائز أن يجتمع النار والحطب أوقاتاً كثيرة ولا يخلق الله احتراقاً وأن توضع الجبال على الإنسان فلا يجد ثقلها وأن يخلق سكون الحجر الصغير عند دفعة الدافع له ولا يخلق إذهابه ولو دفعه أهل الأرض جميعاً واعتمدوا عليه وجائز أن يحرق الله سبحانه إنساناً بال نار ولا يألم بل يخلق فيه اللذة وجائز أن يضع الله سبحانه الإدراك مع العمى والعلم مع الموت وكان يجوز أن يرفع الله سبحانه ثقل السموات والأرضين حتى يكون ذلك أجمع أخف من ريشة ولم ينقص ذلك من أجزائه شيئاً وبلغني أنه قيل له‏:‏ فما تنكر أن تكون في هذا الوقت بمكة جالساً في قبة قد ضربت عليك وأنت لا تعلم ذلك لأن الله سبحانه لم يخلق فيك العلم به هذا وأنت صحيح سليم غير مأوف قال‏:‏ لا أنكر فلقب بقبة وبلغني أنه قيل له في أمر الرؤيا إذا كان بالبصرة فرأى كأنه بالصين أنه قال‏:‏ أكون في الصين إذا رأيت أني في الصين فقيل له‏:‏ فلو ربطت رجلك برجل إنسان بالعراق فرأيت كأنك في الصين قال‏:‏ أكون في الصين وإن كانت رجلي مربوطة برجل الإنسان الذي بالعراق‏.‏

وقال ثمامة‏:‏ لا فعل للإنسان إلا الإرادة وأن ما سواها حدث لا من محدث كنحو ذهاب الحجر عند الدفعة وما أشبه ذلك وزعم أن ذلك يضاف إلى الإنسان على المجاز‏.‏

وقال الجاحظ‏:‏ ما بعد الإرادة فهو للإنسان بطبعه وليس باختيار له وليس يقع منه فعل باختيار سوى الإرادة‏.‏

وقال ضرار وحفص الفرد‏:‏ ما تولد من فعلهم مما يمكنهم الامتناع منه متى أرادوا فهو فعلهم وما سوى ذلك مما لا يقدرون على الامتناع منه متى أرادوا فليس بفعلهم ولا وجب لسبب وهو فعلهم‏.‏

وكان ضرار بن عمرو يزعم أن الإنسان يفعل في غير حيزه وأن ما تولد عن فعله في غيره من حركة أو سكون فهو كسب له خلق لله عز وجل وكل أهل الإثبات غير ضرار يقولون‏:‏ لا فعل للإنسان في غيره ويحيلون ذلك‏.‏

واختلفت المعتزلة هل المقتول ميت أم لا‏:‏ فقال قائلون‏:‏ كل مقتول ميت وكل نفس ذائقة الموت وقال قائلون‏:‏ المقتول ليس بميت‏.‏

  واختلفوا في القتل أين يحل

فقال قائلون‏:‏ يحل في القاتل وقال قائل‏:‏ حل في المقتول‏.‏

واختلفت المعتزلة في المتولد ما هو‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ هو الفعل الذي يكون بسبب مني ويحل في غيري وقال بعضهم‏:‏ هو الفعل الذي أوجبت سببه فخرج من أن يمكنني تركه وقد أفعله في نفسي وأفعله في غيري‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هو الفعل الثالث الذي يلي مرادي مثل الألم الذي يلي الضربة ومثل الذهاب الذي يلي الدفعة‏.‏

وقال الإسكافي‏:‏ كل فعل يتهيأ وقوعه على الخطأ دون القصد إليه والإرادة له فهو متولد وكل فعل لا يتهيأ إلا بقصد ويحتاج كل جزء منه إلى تجديد وعزم وقصد إليه وإرادة له فهو خارج من واختلفوا في الشيء المتحرك إذا حركه اثنان‏:‏ فقال من نفى التولد‏:‏ فيه حركة واحدة الله فاعلها إلا معمراً فإنه يزعم أن الشيء المتحرك يفعله في نفسه‏.‏

وقال من أثبت التولد قولين‏:‏ قال بعضهم‏:‏ فيه حركة فعلها اثنان فهي حركة واحدة لفاعلين غيرين وقال بعضهم‏:‏ هي حركتان فعلان للمحركين للشيء المحرك‏.‏

واختلفوا هل يجوز أن يترك المتولد إذا ترك سببه أم لا على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ إنما يترك السبب فأما المسبب فمحال أن يكون الترك لسببه تركاً له وهذا قول عباد والجبائي‏.‏

وقال قائلون‏:‏ قد نترك المسبب بتركنا للسبب‏.‏

واختلف مثبتو التولد هل يجوز أن يفعل الإنسان في غير علماً أم لا على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ لا يجوز أن يفعل الإنسان في غيره علماً ولا يجوز أن يفعل في نفسه إدراكاً ولا في غيره إدراكاً وهذا قول أبي الهذيل والجبائي‏.‏

وقال قائلون‏:‏ قد يجوز أن يفعل الإنسان في غيره علماً وذلك أني إذا ضربت عبدي فعلمي بأني قد ضربته علم بالألم فعلمه بالألم فعلي كما أن الألم فعلي‏.‏

فقال قائلون‏:‏ لا يجوز أن يفعل الإنسان في شيء إلا بأن يماسه أو يماس ما يماسه‏.‏

وقال قائلون‏:‏ قد يجوز أن يفعل الإنسان فعلاً متولداً في جسم من الأجسام من غير أن يماسه ولا يماس ما يماسه كنحو الإنسان الذي يهجم على الرجل الفاتح بصره فيكون إدراكه فعلاً للهاجم‏.‏

واختلفوا في المتولد إذا بعد من السبب هل يكون هو المسبب الأول كالإنسان يرمي نفسه في نار أضرمها غيره أو يطرح نفسه على حديدة نصبها غيره أو يعترض سهماً قد رمى به غيره بطفل حتى يدخل فيه‏:‏ فقال كثير من المثبتين للتولد‏:‏ الإحراق فعل لمن رمى بنفسه في النار والقتل لمن وقع على الحديدة المنصوبة والقتل فعل لمن اعترض السهم بالطفل وعبر بعض هؤلاء عن دخول السهم في جسدالإنسان فقال‏:‏ أنا حركة السهم في نفسه ففعل الرامي وأم الشق الحادث في الصبي ففعل من اعترض السهم به إلا أن يكون المعترض للسهم بالطفل أزال السهم عن جهته التي كانت يهذب فيها موضعه فذلك فعله وإن لم يكن منه إلا نصب الصبي فحركة السهم فعل الرامي قال‏:‏ فإن نفذ السهم الصبي فأصاب شيئاً آخر كان الشيء الآخر قصته كقصة الصبي الذي اعترض السهم به من غير قصد الرامي فحكمه حكم واحد وإن كان السهم نفذ وأصاب شيئاً قد كان في ذلك المكان قبل إرسال السهم فذلك فعل الرامي وهذا قول الإسكافي‏.‏

وقال قائلون‏:‏ ذلك فعل للرامي بالسهم والمضرم للنار والناصب للحديدة وأفرط بعض هؤلاء في القول حتى زعموا أن إنساناً لو هجم عليه إنسان وهو فاتح لبصره فأدركه أن الإدراك فعل للهاجم عليه دون الفاتح لبصره‏.‏

وقال قائلون‏:‏ دخول السهم في جسد المعترض له فعل للرامي فأما الإحراق فهو فعل لمن زج نفسه في النار والقتل لمن رمى بنفسه على الحديدة المنصوبة‏.‏

واختلف مثبتو التولد من المعتزلة في الأسباب التي تكون عنها المسببات هل هي متقدمة لها أو موجودة مع وجودها‏:‏ فقال قائلون‏:‏ السبب مع المسبب لا يجوز أن يتقدمه وقال قائلون‏:‏ السبب الذي يتولد عنه المسبب لا يكون إلا قبله وقال قائلون‏:‏ من الأسباب ما يكون مع مسبباتها المتولدة عنها ومنها ما يتقدم المسببات بوقت فأما ما كان قبل المسبب بوقتين فليس ذلك المسبب متولداً عنه وجوز بعضهم أن يتقدم السبب المسبب أكثر من وقت واحد‏.‏

  واختلفوا في السبب هل هو موجب للمسبب أم لا على مقالتين

فقال أكثر المعتزلة المثبتين للتولد‏:‏ الأسباب موجبة لمسبباتها وقال الجبائي‏:‏ السبب لا يجوز أن يكون موجباً للمسبب وليس الموجب للشيء إلا من فعله وأوجده‏.‏

فأوجب ذلك قوم ونفاه آخرون‏.‏

واختلفوا في توليد الحركة للسكون والطاعة للمعصية‏:‏ فنفى ذلك قوم وأن تولد الحركة سكوناً والسكون حركة وقالوا في المعصية أنها تولد ما ليس بطاعة ولا معصية ولا تولد الطاعة هذا قول البغداذيين‏.‏

وحكي عن بشر بن المعتمر أنه جوز أن يولد الحركة سكوناً والسكون حركة والحركة حركة والسكون سكوناً‏.‏

وقال الجبائي‏:‏ لا يجوز أن يولد السكون شيئاً والحركة قد تولد حركة وتولد سكوناً وزعم أن في الحجر إذا وقف في الجو حركات خفية تولد انحداره بعد ذلك وأن في القوس الموتر حركات خفيات تولد قطع الوتر إذا انقطع وفي الحائط حركات خفية يتولد عنها وقوعه‏.‏

  واختلفوا في الأفعال كلها سوى الإرادات هل يجوز أن تقع متولدة

وأجمعوا أن الإرادات لا تقع متولدة واختلفوا فيما بعدها‏:‏ فقال قوم‏:‏ قد يجوز أن تكون كلها متولدة وقال قوم‏:‏ المتولد منها ما حل في الفاعل وما فعل في نفسه فليس بمتولد وقال قوم أن المتولد هو ما جاز أن يقع على طريق السهو والخطأ وما سوى ذلك فليس بمتولد وقال قوم‏:‏ قد تحدث في الإنسان أفعال غير الإرادة متولدة وأفعال غير متولدة‏.‏

فقال قائلون‏:‏ لا يقع الفعل من القديم على طريق التولد ولا يقع منه عن سبب ولا يقع منه إلا على طريق الاختراع وقال قائلون‏:‏ قد يفعل القديم على طريق التولد فأما الأجسام فلا تقع منه متولدة‏.‏

  واختلفوا في الشيء المولد للفعل ما هو على مقالتين

فقال قائلون‏:‏ المولد للفعل المتولد هو الفاعل للسبب وقال قائلون‏:‏ المولد للفعل المتولد هو السبب دون الفاعل‏.‏

واختلفوا في القدرة على الفعل المتولد على مقالتين‏:‏ فقال أكثر أهل النظر‏:‏ هو مقدور عليه ما لم يقع سببه فإذا وقع سببه خرج من أن يكون مقدوراً وقال قائلون‏:‏ هو مقدور مع وجود سببه‏.‏

واختلفت المعتزلة في الإرادة هل تكون موجبة لمرادها أم لا‏:‏ فقال أبو الهذيل وإبراهيم النظام ومعمر وجعفر بن حرب والإسكافي والآدمي والشحام وعيسى الصوفي‏:‏ الإرادة التي يكون مرادها بعدها بلا فصل موجبة لمرادها وزعم الإسكافي أنه قد تكون إرادة غير موجبة فإذا لم توجب وقع مرادها في الثالث‏.‏

وقال بشر بن المعتمر وهشام بن عمرو الفوطي وعباد بن سليمان وجعفر بن مبشر ومحمد بن وأجاز أكثر الذين قالوا بالإرادة الموجبة أن يمنع الإنسان من مرادها وحكى الحسين بن محمد النجار أن قوماً ممن قاولا بالإرادة الموجبة قالوا‏:‏ لن يجوز أن يمنعه الله من المراد وذلك أن الموت لا يكون إلا عن معاينة فإذا أراد أن يفعل الإنسان في أقرب الأوقات إليه لم يجز أن يموت في ثانية لأنه لا يموت إلا بمعاينة وليس يجوز أن يريد في حال المعاينة أن يفعل في الثاني لأن حال المعاينة لا رجاء فيها لأن يبقى فيحدث الإرادة أن يفعل في الثاني قال‏:‏ ولم يجيزوا فناء الجوارح في الثاني إذا أحدث الإرادة في الحال الأول‏.‏

واختلفت المعتزلة في الإنسان في حال إرادته الموجبة هل يقدر على خلاف المراد أم لا على خمسة أقاويل‏:‏ فقال بعضهم أنه قد يقدر على خلاف المراد ولكنه لا يفعل إلا المراد وشبهوا ذلك بالفعل المعلوم من العبد أنه يكون وهو يقدر على خلافه ولا يكون إلا المعلوم لأنه لا يختار غيره وقالوا‏:‏ ليس بمحال إذا أراد الإنسان أن يتحرك في الثاني أن يسكن في الثاني ولو سكن في الثاني لم يسكن إلا بإرادة متقدمة فمثلوا بالمعلوم أنه لو كان ما علم أنه يكون مما لا يكون لم يكن العلم سابقاً بأنه يكون ولكان العلم سابقاً بأنه لا يكون‏.‏

وقال بعضهم أن المريد إذا أراد أن يتحرك في أقرب الأوقات إليه فهو قادر على الحركة وعلى وقال بعضهم أن الإنسان إذا أحدث الإرادة لأن يتحرك إلى أقرب الأوقات إليه جاز أن يجيء الوقت الثاني فيكون ساكناً فيه ولا يكون ذلك السكون فعلاً مكتسباً ولا تركاً لتلك الحركة التي تقدمت إرادتها ولكن يكون تركاً للحركة في الوقت الثالث ويجعلون السكون الذي يكون في الثاني سكون بنية كالإحراق الذي يكون من بنية النار وزعم هؤلاء أن الأفعال التي تكون بالبنية ليست خلقاً لله عز وجل وهذا قول معمر‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إذا أحدث الإرادة الموجبة لأقل قليل الفعل وهو زعموا أقل من ألف جزء من كلمة وذلك أنهم قالوا أن الكلمة الواحدة تكون بإرادات كثيرة والخطوة الواحدة تكون بإرادات كثيرة وذلك أن الإنسان يريد إرادة اجتماع أن يزول إلى موضع فيأتي بجزء من الذهاب ثم يدع الإرادة فيقطع المراد فإن أدام المرادات أدام المراد وقالوا‏:‏ إنما نحيل قول القائل يقدر على خلاف المراد إذ كان قد جاء بعلته ولكنه يقدر على المراد لأن فيه قدرة في حال الإرادة لها يكون المراد‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ محال قول القائل يقدر عليه أو على خلافه لأنا فيه بمنزلة رجل أرسل نفسه من شاهق في الهواء فلا يقال أنه يقدر على الذهاب ولا على الكف عنه وإن كانت فيه قدرة فهي لغير هذا الفعل الذي أوجبه بإدخاله نفسه في علته الموجبة له‏.‏

وأجمعت المعتزلة إلا الجبائي أن الإنسان يريد أن يفعل ويقصد إلى أن يفعل وأن إرادته لأن يفعل لا تكون مع مراده ولا تكون إلا متقدمة للمراد‏.‏

وزعم الجبائي أن الإنسان إنما يقصد الفعل في حال كونه وأن القصد لكون الفعل لا يتقدم الفعل وأن الإنسان لا يوصف بأنه في الحقيقة مريد أن يفعل وزعم أن إرادة البارئ مع مراده‏.‏

وقال أبو الهذيل أن إرادة البارئ مع مراده ومحال أن تكون إرادة الإنسان لكون الفعل مع الفعل‏.‏

واختلف الذين أنكروا الإرادة الموجبة في الإرادة للفعل هل تجامع المراد أم لا على مقالتين‏:‏ فمنهم من زعم أن الإرادة وإن كانت غير موجبة فلا تكون إلا قبل المراد وزعم الجبائي أن الإرادة التي هي قصد للفعل مع الفعل لا قبله‏.‏

واختلفت المعتزلة في الإرادة التي هي تقرب بالفعل هل تكون قبل الفعل أو مع الفعل على مقالتين‏:‏ فمنهم من زعم أنها قبل الفعل كما أن الإرادة لأن يفعل الفعل قبله وقال الإسكافي‏:‏ قد يجوز أن تكون مع الفعل‏.‏

واختلفت المعتزلة في إرادة العباد هل لها إرادة على مقالتين‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ لا يجوز أن تكون للإرادة إرادة لأنها أول الأفعال وأجاز الجبائي أن يريد الإنسان واختلفوا هل تدعو النفس إلى الإرادة ويدعو إليها الخاطر على مقالتين‏:‏ فأجاز ذلك قوم وأباه آخرون‏.‏

  واختلفوا في الإرادة هل هي مختارة أم ليست بمختارة على مقالتين

فقال قوم‏:‏ هي مختارة كما أنها اختيار ولم يجيزوا أن تكون مرادة كما أنها مختارة وقال قائلون‏:‏ هي اختيار وليست بمختارة‏.‏

  واختلفوا في أفعال الله عز وجل هل هي كلها مختارة أم لا

على أربعة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ منها ما هو اختيار ومنها ما هو مختار‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ كلها مختارة لا باختيار غيرها بل هي اختيار كما كانت مرادة لا بإرادة غيرها وهذا قول البغداذيين‏.‏

وقال قائلون‏:‏ ما كان من أفعال الله له ترك كالأعراض فهو مختار وما لا ترك له كالأجسام فهو اختيار وليس بمختار‏.‏

وقال قائلون‏:‏ ليس كل أفعال العباد مختارة بل منها ما لا يقال أنه مختار وجميعاً لا يقال له اختيار‏.‏

  واختلفوا في الإيثار

فقال قوم‏:‏ الإيثار هو الاختيار والإرادة والمراد لا يكون إيثاراً ولا اختياراُ وقال قوم‏:‏ الإيثار هو الإرادة والاختيار قد يكون إرادة وقد يكون مراداً‏.‏

واختلفت المعتزلة في الثقل والخفة هل هما الشيء أو غيره‏:‏ فقال قائلون‏:‏ الثقل هو الثقيل وكذلك الخفة هو الخفيف وإنما يكون الشيء أثقل بزيادة الأجزاء وهذا قول جمهور المعتزلة وهو قول الجبائي‏.‏

وقال قائلون منهم الصالحي‏:‏ الثقل غير الثقيل والخفة غير الخفيف‏.‏

واختلف هؤلاء فيما بينهم هل يجوز أن يرفع الله ثقل السموات والأرضين حتى تكون أخف من الريشة على مقالتين‏:‏ فجوز ذلك بعضهم وأنكره بعضهم‏.‏

وقال ضرار بن عمرو‏:‏ ثقل الشيء بعضه وخفته بعضه‏.‏

  واختلفوا في ظل الشيء هل هو الشيء أم غيره على مقالتين

فقال قائلون‏:‏ ظل الشيء غيره وكان الجبائي يزعم أن الظل ليس بمعنى وإنما معنى الظل أن الشيء يستر لا أن الظل معنى‏.‏

  واختلفوا في القتل ما هو

فقال قائلون‏:‏ القتل هو الحركة التي تكون من الضارب كنحو الموجبة والرمية وما أشبه ذلك التي يكون بعدها خروج الروح وأنها لا تسمى قتلاً ما لا تخرج الروح فإذا خرجت الروح سميت قتلاً قالوا‏:‏ وهذا كالحالف يحلف فيقول‏:‏ إن قدم زيد فامرأتي طالق فإذا قدم زيد كان قوله الأول طلاقاً وزعموا أن الانقتال حل في المقتول وكذلك قاولا‏:‏ ذبح وانذباح وشجة وانشجاج على مثل قوله القتل والانقتال وأن الشجة في الشجاج وكذلك الذبح في الذابح والانذباح في المذبوح والانشجاج في المنشج والقائل بهذا إبراهيم النظام‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الحركة التي تخرج بعدها الروح عند الله قتل لأنه يعلم أن الروح بعدها تخرج وهي قتل في الحقيقة ولكن لا يعلم أنه قتل حتى تخرج وأبى هذا القول أصحاب القول الأول وزعم الفريقان أن القتل قائم بالقاتل وأن المقتول مقتول بقتل في غيره‏.‏

وقال قائلون من المعتزلة‏:‏ القتل هو خروج الروح عن سبب من الإنسان وخروج الروح لا عن سبب يكون من الإنسان موت وليس بقتل وزعم هؤلاء أن القتل يحل في المقتول لا في القاتل‏.‏

وقال قائلون‏:‏ القتل إبطال البنية وهو كل فعل لا تكون الحياة في الجسم إذا وجد كنحو قطع الرأس وفلق الحنجرة وكل فعل لا يكون الإنسان حياً مع وجوده وهو يحل في المقتول‏.‏

وقال ابن الراوندي‏:‏ فاعل القتل قاتل في حال فعله والمقتول مقتول في حال وقوع القتل به عند من عرف أن القاتل استعمل السيف بضرب ما يقع بعده خروج الروح قال‏:‏ وليس يكون الإنسان قاتلاً على الحقيقة إلا لمن خرج روحه مع ضربته لأنه يعلم حينئذ أنه هو الذي استفعله الخروج بضربته وأن الروح لم يكن ليخرج بهوى نفسه دون أن يضطره الضارب بالسيف ويكرهه ولا نعرف شيئاً حدث في وقت خروجه إلا الضربة والقضاء على الظاهر وكل ما جرت العادة في إحكام الأفعال والفاعلين فأما من تأخر خروج روحه فليس الضارب قاتلاً له إلا بأن عرض روحه للخروج وسلط عليه ضداً يخرجه ويغمره قال‏:‏ فإن قال لنا قائل‏:‏ فمن القاتل له في الحقيقة قلنا لهم‏:‏ ليس بمقتول في الحقيقة فيكون له قاتل في الحقيقة وليس يضاف قتله إلا إلى الضارب ولكن الضد الذي دخل عليه هو الذي منعه من الحس وغمره وأخرج روحه عن جسده قال‏:‏ ولو قال قائل‏:‏ الضد قتله كما يقتله السم لجاز ذلك له وزعم أن الله سبحانه خص إخراجه لروح غيره بأن سماه موتاً قال‏:‏ ومما يجاب به أيضاً أن يقال‏:‏ الضارب قاتل بالتعريض والضد قاتل على الحقيقة ووصف ابن الراوندي في القتل فزعم أنه ينفصل من آلة الضارب إلى جسد المضروب ضد للروح ولولا موضع ذلك الضد لم يقصد تلك الآلة فإذا حلت عليه جاهضته فأجهضها فإن غلب الروح الضد فلا قتل وإن غلب الضد غمر وجاءت تلك الحال التي يعرف عندها أن الإنسان مقتول عند أهل التولد وعندنا قال ابن الراوندي‏:‏ وقد زعم أصحاب التولد أنه يحدث عن الضربة في بدنه شيء هو الألم والقتل قال‏:‏ وذلك الحادث في قولهم منتقل عندنا إلا عمل الضد وعمل الروح فإنهما يحدثان منهما طباعاً‏.‏

واختلفوا في القتل هل يضاد الحياة أم لا على مقالتين‏:‏ فزعم بعضهم أن القتل يضاد الحياة وقال قائلون‏:‏ لا يضاد الحياة‏.‏

واختلف هؤلاء في الحياة على مقالتين‏:‏ فمنهم من يثبت الحياة عرضاً والموت عرضاً‏.‏

ومنهم من زعم أن القتل عرض يحل في القاتل والحياة جسم لطيف يحل في جسد المقتول وإنما يضاد الحياة الموت الذي هو جسم يمنعها من الحس الذي هو خاصتها فبهذا سمي موتاً وهو موت وميت كما أنها حياة وحي وزعم أن الإماتة التي هي إدخال الله عز وجل الجسم المضاد لها عليها تكون وحسها قائم كما أن القتل الذي هو إدخال ذلك الجسم أيضاً عليها يكون وحسها قائم‏.‏

  واختلفوا في كلام الإنسان هل هو صوت أو ليس بصوت وهل الصوت جسم أو عرض

فقال قائلون‏:‏ كلام الإنسان صوت وهو عرض وقد يكون باللسان مسموعاً وفي القرطاس مكتوباً وفي القلوب محفوظاً فهو حال في هذه الأماكن بالكتابة والحفظ والتلاوة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ كلام الإنسان ليس بصوت وهو عرض وكذلك الصوت عرض ولا يوجب إلا باللسان‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الصوت جسم لطيف وكلام الإنسان هو تقطيع الصوت وهو عرض وهذا قول النظام‏.‏

وقال قائلون‏:‏ هو معنى قائم بالنفس لا يحل في اللسان وهو عرض وهو غير الصوت‏.‏

واختلفوا في الكلام هل يوصف بأنه مؤلف أم لا على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ قد يوصف بذلك وهو مؤلف في الحقيقة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يوصف بذلك ومن قال‏:‏ هذا كلام مؤلف فإنما يقوله اتساعاً‏.‏

  واختلفوا في الصوت كيف يسمع وهل يجوز عليه الانتقال أم لا

فقال قائلون‏:‏ الصوت ينتقل في الجو فيصاك الأسماع ويؤلمها ولا يسمع إلا باتصال السمع أو مداخلته إياه وهذا قول النظام‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يجوز عليه الانتقال بل يسمع في مكانه الذي يحل فيه يسمعه ألف إنسان وأكثر‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يسمع الصوت إذا كان مكانه بائناً عن سمع الإنسان وإنما يسمع الإنسان ما يوجد في سمعه وقال هؤلاء في الصدى أن الإنسان إذا فتح فاه وقصد الصياح فدافع الجو فيحدث وأبى ذلك آخرون وقالوا‏:‏ الصوت موجود فيظهر ولا يحدث‏.‏

وقال قائلون أن الصوت لا يسمع وكذلك الكلام وإنما يسمع الجسم مصوتاً والجسم متكلماً‏.‏

  واختلفوا في الصوت هل يبقى أم لا على مقالتين

فقال قوم أنه يبقى وقال قائلون أن الصوت لا يبقى ومنهم من قال‏:‏ من الصوت ما يبقى ومنه ما لا يبقى‏.‏

واختلفوا هل يكون صوت واحد في مكانين‏:‏ فأنكر ذلك منكرون وأجازه مجيزون‏.‏

  واختلفوا في الصوت هل هو جسم

فقال النظام‏:‏ هو جسم وقال غيره‏:‏ هو عرض وقال قائلون‏:‏ ليس بجوهر ولا عرض وأنكر منكرون الصوت وقالوا‏:‏ لا صوت في الدنيا وليس إلا المصوت‏.‏

واختلفوا هل يكون صوت لا لمصوت على مقالتين‏:‏ فمنهم من قال‏:‏ لا يكون صوت إلا لمصوت ومنهم من أجاز صوتاً لمصوت‏.‏

واختلفت المعتزلة إذا قال جماعة‏:‏ يا زيد‏!‏ فتكلم أحدهم بالياء والآخر بالألف والأخر بالزاي والآخر بالياء والآخر بالدال على مقالتين‏:‏ فقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي‏:‏ كل حرف من هذا كلمة يتكلم بها صاحبها وخبر يخبر به صاحبه فهو إخبار وكلمات‏.‏

وقال أحمد بن علي الشطوي المعروف بنوقة‏:‏ ليس كل حرف من هذا كلمة وليس الجميع كلاماً ولا خبراً ولا إخباراً‏.‏

واختلفت المعتزلة في الخواطر‏:‏ فقال إبراهيم النظام‏:‏ لا بد من خاطرين أحدهما يأمر بالإقدام والآخر يأمر بالكف ليصح الاختيار وحكى عنه ابن الراوندي أنه كان يقول أن خاطر المعصية من الله إلا أنه وضعه للتعديل لا ليعصي وحكى عنه أنه كان يقول أن الخاطرين جسمان وأظنه غلط في الحكاية الأخيرة عنه‏.‏

وقال بشر بن المعتمر‏:‏ قد يستغني المختار في فعله وفيما يختاره عن الخاطرين واحتج في ذلك بأول شيطان خلقه الله وأنه لم ينقل شيطان يخطر‏.‏

وقال قوم أن الأفعال التي من شأن النفس أن تفعلها وتجمعها وتميل إليها وتحبها فليس تحتاج إلى خاطر يدعوها إليها وأما الأفعال التي تكرهها وتنفر منها فإن الله عز وجل إذا أمر بها أحدث لها من الدواعي مقدار ما يوازي كراهتها لها ونفارها منها وإن دعاه الشيطان إلى ما تميل إليه وتحبه زادها من الدواعي والترغيب ما يوازي داعي الشيطان ويمنعه من الغلبة وإن أراد الله سبحانه أن يقع من النفس فعل ما تكرهه وينفر طباعها منه جعل الدواعي والترغيب والترهيب والتوفير يفضل ما عندها من الكراهة لذلك منه فتميل النفس إلى ما دعيت إليه ورغبت فيه طباعاً وذكر ابن الراوندي أن هذا القول قوله‏.‏

وقال أبو الهذيل وسائر المعتزلة‏:‏ الخاطر الداعي إلى الطاعة من الله وخاطر المعصية من الشيطان وثبتوا الخواطر أعراضاً إلا أن أبا الهذيل يقول‏:‏ قد تلزم الحجة المتفكر من غير خاطر وإبراهيم وجعفر يقولان‏:‏ لا بد من خاطر‏.‏

فأنكر منكرون الخواطر وقالوا‏:‏ لا خاطر‏.‏

واختلف الناس في العامة والنساء الذين على جملة الدين إذا خطر ببالهم التشبيه على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ عليهم أن يتفكروا في ذلك ويتبعوا في ذلك حجة‏.‏

وقال قوم‏:‏ ليس ذلك بواجب عليهم وقد يجوز أن يعرضوا عنه فلا يعتقدوا فيه شيئاً ولكن عليهم أن يعتقدوا إن كان ناقضاً للجملة التي هم عليها فهو باطل‏.‏

القول بطاعة لا يراد الله بها‏:‏ اختلفت المعتزلة في ذلك فزعم زاعمون منهم أنه لا يجوز أن يطيع الله من لم يرده بطاعة ولم يقترب إليه بها وأنكر أن يكون في الدهرية طاعة لله أو معرفة أمر والقدرية يعيرون من خالفهم في القدر وأهل الحق يسمونهم قدرية ويسمونهم مجبرة وهم أولى بأن يكونوا قدرية من أهل الإثبات‏.‏

وقال قائلون منهم ممن أنكر القول بطاعة لا يراد الله بها‏:‏ ليس في المشبهة معرفة بالله ولا يكونون مطيعين له ولكن في القدرية معرفة بالله إذا كانت موجودة وكذلك فيهم طاعة لله عز وجل‏.‏

وقال قائلون ممن أنكر القول بطاعة لا يراد الله بها أن أفعال الجاهل بالله كلها جهل بالله وليس أحد من الجهال لله مطيعاً وهذا قول عباد‏.‏

  واختلفوا في عذاب القبر

فمنهم من نفاه وهم المعتزلة والخوارج ومنهم من أثبته وهم أكثر أهل الإسلام ومنهم من زعم أن الله ينعم الأرواح ويؤلمها فأما الأجساد التي في قبورهم فلا يصل ذلك إليها وهي في القبور‏.‏

واختلفوا هل يجوز أن يخلق العالم لا في مكان أو يوجد لا في مكان على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ كان جائزاً أن يخلق الله العالم لا في مكان ويوجده لا في مكان ويوجده لا في شيء وأحال ذلك محيلون وقالوا‏:‏ لا يجوز وجود العالم لا في مكان وخلقه لا في شيء‏.‏

واختلفوا هل يجوز أن يتحرك الجسم الموات إذا كان ساكناً من غير دافع‏:‏ فأجاز ذلك مجيزون أن يكون البارئ يحركه من غير دافع وأنكر ذلك منكرون وقالوا‏:‏ لا يجوز أن يتحرك إلا أن يدفعه دافع وهذا قول أصحاب الطبائع‏.‏

  واختلفوا هل الحركة يمنة هي الحركة يسرة أم لا

فقال قائلون‏:‏ إنما يقدر الإنسان على سكون وحركة فإن فعل مع تلك الحركة كوناً يمنة فهي حركة يمنة وإن فعل معها كوناً يسرة فهي حركة يسرة‏:‏ وهو قول أبي الهذيل‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الحركة يمنة غير الحركة يسرة‏.‏

واختلفوا هل تكون حركة أخف من حركة‏:‏ فأجاز ذلك مجيزون ومنعه آخرون‏.‏

واختلفوا في أفعال القلوب من الإرادات والكراهات والعلوم والنظر والفكر وما أشبه ذلك هل هي حركات أم لا‏:‏ فقال قائلون‏:‏ كلها حركات وقال قائلون‏:‏ هي سكون كلها وقال قائلون‏:‏ ليست بحركات ولا سكون‏.‏

واختلفوا هل يجوز أن يخلق العلم بالألوان في قلب الأعمى أم لا‏:‏ فأجاز ذلك مجيزون وأنكره آخرون‏.‏

فقال قائلون‏:‏ كلام العباد لا يبقى وقال قائلون‏:‏ الكلام قد يبقى وهذا قول أبي الهذيل وغيره‏.‏

واختلفوا هل يفعل الكلام بغير اللسان‏:‏ فأجاز ذلك مجيزون وأنكره منكرون‏.‏

واختلفوا في الهواء هل هو معنى‏:‏ فقال قائلون‏:‏ ليس بجسم وقال قائلون‏:‏ هو جسم رقيق‏.‏

واختلفوا هل يجوز رفعه من حيز الأجسام حتى لا يكون‏:‏ فأجاز ذلك مجيزون وأنكره منكرون وقالوا‏:‏ لو ارتفع ما بين الحائطين من الجو لالتقت الحيطان وتلاصقت‏.‏

واختلفوا فيمن مد يده وراء العالم على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ يمتد مع يده فهذا يكون مكاناً ليده لأن المتحرك لا يتحرك إلا في شيء وقال قائلون‏:‏ يمد يده وتتحرك لا في شيء‏.‏

واختلف الناس في الرؤيا على ستة أقاويل‏:‏ فزعم النظام ومن قال بقوله فيما حكى عنه زرقان أن الرؤيا خواطر مثل ما يخطر البصر وما أشبهها ببالك فتمثلها وقد رأيتها‏.‏

وقالت السوفسطائية‏:‏ سبيل ما يراه النائم في نومه كسبيل ما يراه اليقظان في يقظته وكل ذلك على الخيلولة والحسبان‏.‏

وقال صالح قبة ومن قال بقوله‏:‏ الرؤيا حق وما يراه النائم في نومه صحيح كما أن ما يراه اليقظان في يقظته صحيح فإذا رأى الإنسان في المنام كأنه بإفريقية وهو ببغداذ فقد اخترعه الله سبحانه بإفريقية في ذلك الوقت‏.‏

وقال بعض المعتزلة‏:‏ الرؤيا على ثلاثة أنحاء منها ما هو من قبل الله كنحو ما يحذر الله سبحانه الإنسان في منامه من الشر ويرغبه في الخير ونحو منها من قبل الإنسان ونحو منها من قبل حديث النفس والفكر يفكر الإنسان في منامه فإذا انتبه فكر فيه فكأنه شيء قد رآه‏.‏

وقال أهل الحديث‏:‏ الرؤيا الصادقة صحيحة وقد يكون من الرؤيا ما هو أضغاث‏.‏

واختلف الناس في الذي يراه الرائي في المرآة‏:‏ فقال قائلون‏:‏ الذي يرى الرائي في المرآة إنما هو إنسان مثله اخترعه الله وهذا قول صالح‏.‏

وقال أبو الحسين الصالحي‏:‏ لا مرئي إلا لون وأن الشعاع ينفصل من وجه الإنسان وله لون كلون الإنسان فيرى الإنسان لون الشعاع المنتقل من وجهه إذا اتصل بالمرآة ولونه كلون وجهه‏.‏

وقال السوفسطائية على أصل قولهم‏:‏ إنما هو على الحسبان‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الذي يراه الرائي في المرآة هو ظل الوجه‏.‏

وقال ضرار بن عمرو أن الإنسان يرى مثاله ومثال غيره‏.‏

واختلف الناس في الجن هل يدخلون في الناس على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ محال أن يدخل الجن في الناس‏.‏

وقال قائلون‏:‏ يجوز أن يدخل الجن في الناس لأن أجسام الجن أجسام رقيقة فليس بمستنكر أن يخلوا في جوف الإنسان من خروقه كما يدخل الماء والطعام في بطن الإنسان وهو أكثف من أجسام الجن وقد يكون الجنين في بطن أمه وهو أكثف جسماً من الشيطان وليس بمستنكر أن يدخل الشيطان إلى جوف الإنسان‏.‏